قصيدة البالة / الشاعر مطهر الارياني



قصيدة البالة
الشاعر مطهر الارياني

 عندما اشتدت قساوة الظروف والحياة المعيشية على إثر المجاعة التي
حصلت إبان الحكم الامامي وتمخضت عنها هجرة جديدة لليمنيين بحثا
عن سبل العيش الكريم كان لا بد أن تترافق أو تتكون مع هذه الهجرة
صورة ثقافية فنية تدون تفاصيل الألم الذي عاشه الإنسان بين حزن
فراق أرضه وأهله وبين ظروف الحياة المهجرية والبحث عن فرص
عمل تنقذ المغترب في الهجرة وتنقذ أهله في وطنه إلى جانب قلق
وضع عام كان يعيشه المجتمع اليمني نتيجة المجاعة والظلم والقحط..
إن أبرز من سجل ملامح هذه الآلام هو الشاعر مطهر الارياني في
قصيدته «البالة» المستوحاة من تراث شعبي كاد ينقرض ولكنها
عامرة بالحزن والألم والحنين



والليلة البال ما للنسمة السارية
هبت من الشرق فيها نفحة الكاذية
فيها شذى البن فيها الهمسة الحانية
عن ذكريات الصبا في أرضنا الغالية

***

والليلة العيد وأنا من بلادي بعيد
ما في فؤادي لطوفان الأسى من مزيد
قلبي بوادي «بنا» و«أبين» ووادي «زبيد»
هايم وروحي اسير الغربة القاسية

***

أيام ما موسم الطاعون قالوا دنا
وماتوا أهلي ومن حظ النكد عشت أنا
عشت أزرع الأرض واحصد روحي الذاوية

***

ذكرت أخي كان تاجر أينما جا فرش
جو عسكر الجن شلوا ما معه من بقش
بكر غبش: أين رايح: قال: أرض الحبش
وسار.. واليوم قالوا حالته ناهيه

***

بكرت مثله مهاجر والظفر في البكر
وكان زادي من اللقمة ريالين حجر
وابحرت في ساعية تحمل جلود البقر
والبن للتاجر المحظوظ والطاغية

***

بحثت عن شغل في الدكة وداخل «عصب»
وفي الطرق والمباني ما وجدت الطلب
شكيت لاخواني البلوى وطول التعب
فقالوا: البحر، قلت: البحر واسعية

***

وعشت في البحر عامل خمسة عشر سنة
في مركب  اجريكي اعور حازق الكبتنة  
وسود الفحم جلدي مثلما المدخنة
وطفت كم يا بلوِّد أرضها قاصيه

***
من كان مثلي غريب الدار ما له مقر.
فما عليه إن بكى وأبكى الشجر والحجر
أبكي لك أبكي وصب الدمع مثل المطر
ومن دم القلب خلِّي دمعتك جارية

***
غنيت في غربتي «يا الله لا هنتنا»
ومزق الشوق روحي في لهيب الضنى
راجع أنا يا بلادي يا ديار الهنا
يا جنتي يا ملاذي يا أمي الغالية



+ + +



توضيح :
أيام ما موسم الطاعون قالوا دنا :
المقصود به تلك السنين التي انشر فيها وباء الجدري الذي حصد
الكثير ، ولا زلنا في الريف اليمني تؤرخ بتلك الأيام نقول : سنة الجدري
وأيام الجدري ومن يقرأ رحلة القاضي محمد محمود الزبيري من
تعز إلى صنعا في تلك الأيام سيرى مشهدا رهيبا
*****
( ذكرت أخي كان تاجر أينما جا فرش )
كالباعة المتجولين
*****
( جو عسكر الجن شلوا ما معه من بقش )
عسكر الجن :
جنود الإمام
شلوا : نهبوا
بقش : مفردها بقشة ، وهي العملة النقدية المعدنية المتداولة
في ذلك الوقت
********
( بكرت مثله مهاجر والظفر في البكر )
الظَفَرْ : النجاح والفوز
البُكَر : جمع بُكْرََة وهو وقت الصباح الأول
******
( وكان زادي من اللقمة ريالين حجر ) اللُقْمَة : مجموع من الرغيف يأخذها المسافر على ظهره
داخل ردائه
ريالين حجر : هي العملة النقدية الفضية الخالصة التي كان
الناس يتداولونها في بيعهم وشرائهم وتجاراتهم وهو الريال
الذي كان يسمى ولا يزال الناس يسمونه بالريال الفرنسي أو
الفرنصي وهو بالحقيقة ليس فرنسي بل هو نمساوي
وأسمه الحقيقي ( ماريا تريزا ) أما اسم ( الريال الحجر ) فهو
اسم محلي ريفي
********
( وابحرت في ساعية تحمل جلود البقر )
ساعية : سفينة
*****
( بحثت عن شغل في الدكة وداخل «عصب» ) عَصَبْ : هي مينا على البحر الأحمر يقع حاليا في إرتيريا
وكان يتبع في ذلك الحبشة التي هي بدورها كانت تتبع
إيطاليا وبريطانيا
******
فقالوا: البحر، قلت: البحر واسعية
وا ساعية : كلمتين من منادى وحرف نداء ومعناهما عزمنا على
خوض البحر للبحث عم عمل أو شغل
******
( وعشت في البحر عامل خمسة عشر سنة ) عَامِلْ : أعتقد أن الكلمة معدلة لأن العامل كان يطلق على الحاكم التنفيذي
وهو ما يعرف اليوم بالمحافظ ، وكان لكل منطقة في ذلك الوقت حاكمان
حاكم تنفيذي لضبط الأمن وحياة الناس ، وحاكم قضائي لتنفيذ الأحكام
الشرعية ، أما الاسم الدارج للشخص الذي يبحث عن عمل كان اسمه
( شاقي ) وأعتقد لا زال هذا الاسم باقي
******
( في مركب ( اجريكي ) اعور حازق الكبتنة )
اجريكي : هو شخص يحمل الجنسية اليونانية وهو هنا صاحب السفينة
******
( وطفت كم يا بلوِّد أرضها قاصيه )
كم يا بَلَوِد : كم : خبرية للتعظيم والتهويل
بَلَوِد : بتشديد الواو مع الكسر والمقصود بلاد كثيرة
*****
( «غنيت في غربتي «يا الله لا هنتنا» ) يا ألله لا هنتنا : أهزوجة من أهازيج الفلاحين



ـــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مساجلة شعريه بين الامام أحمد بن يحيى حميد الدين والشيخ علي ناصر القردعي

حبوب حبوب لاتغضـــــــب الشاعر / احمد عبدربه العواضي

على شاطي الـوادي نظـرت حمامـة الشاعر/ يزيد بن معاوية